الأحد، 21 أبريل 2019

رجع الصدى .. حمدان حمودة

رَجْعُ الصَّدَى (من غَزَل الشّباب)

أَرَى الدَّهْرَ يَقْسُو، دَائِـمًا، فَيُتَــيِّـمُ

   فُـؤَادًا بِـهِ صَرْحُ التَّـصَبُّرِ يُهْـدَمُ

ويُذْوِي طُرُوسًا للنُّهَى بِسُطُورِهَا

  تَكَاثَفَ وَصْفُ الحِكْمَةِ الـمُتَرَسِّـمُ

ويُـخْفِـي شُعَاعًا لِلسُّرُورِ، بَرِيقُـهُ

   يُشِعُّ طَلِـيسًا، بِالـحَشَا فَيُظَـلِّـمُ

ويُودِي بِصَوْتٍ لِلتَّـرَنُّـمِ شَاقَهُ

  لِقُرْبِ الـحَبِيبِ الغِرِّ، بِاللَّيْلِ، مَغْنَمُ.

كَأَنِّي، وبُعْدُ الخِلِّ أَيْقَـظَ شَجْوَتِي،

   أَدَاةٌ بِـهَـا أَيْدِي الحَـيَاةِ تُنَــغِّـمُ.

فَتُــرْجِعُ أَصْـوَاتًا كَـأَنَّ مِزَاجَـهَا

   نَـوَائِـحُ قَامَتْ بالعَوِيلِ ومَأْتَـمُ.

إِذَا كَانَ عَدْلُ الدَّهْرِ بُعْدٌ وفُرْقَـةٌ

   فَفِيمَ حَـيَـاةُ المَرْءِ تَحْـلُو وتَنْـعُمُ؟

وإِنْ كَانَ وَجْهُ الدَّهْرِ، دَوْمًا، مُقَطَّبًا

   فَأَيْـنَ مُـحَيَّا الفَـرْحَةِ الـمُتَبَسِّمُ؟

وإِنْ كَانَ يَوْمُ الوَصْلِ بِالهَجْرِ مُمْسِيًا

   فَلَا كَـانَ وَصْلٌ يَـقْـتَـفِـيهِ تَـأَلُّـمُ،

ولَا كَـانَ صَوْتٌ يَقْـتَفِــيهِ تَصَمُّتٌ

   ولَا كَانَ لَفْظٌ قَدْ رَوَاهُ تَجَمْجُمُ(*)

ولَا كَـانَ فِطْرٌ فِي الهَـوَى وتَمَـتُّـعٌ

  يَنُـوبُهُ لِلْهِـجْرَانِ يَــوْمٌ مُصَــوِّمُ...

دَعُوا اللَّوْمَ، مَا لِي لِلْعَوَاذِلِ خَاطِرٌ،

 وعُوجُوا عَلَى صَبْرِي، هُنَاكَ، وسَلِّمُوا

إِلَى حَـيْـثُ غَابَـتْ لِلْجَــمَالِ سَفِينَةٌ

    بِهَـا أَزْرَقُ العَيْـنَيْـنِ يَسْعَــى ويُقْـدِمُ

وفِيــهَا شِــرَاعُ السِّـحْرِ يَرْفَــعُ رَايَــةً

   بِهَا أَكْبُدُ الطُّلَّابِ تَذْوِي وتُعْدَمُ...

فَيَــا أَيُّهَا الحَاثِي عَلَى الحُبِّ تُـرْبَهُ

   بِإِبْعَادِ مَنْ فِي القَلْبِ ذِكْرُهُ مِرْهَـمُ

هَلَكْتَ وشُلَّتْ مِنْ يَدَيْكَ أَصَابِعُ

   ونَــــالَـكَ هَـــمٌّ وَافِــرٌ وتَـأَلُّـمُ

وبِتَّ رَهِينَ اللَّيْلِ تَـرْقُبُ نَجْـمَهُ

   وهُــدَّ سُرُورٌ، فِي حَشَاكَ، مُجَمَّمُ.

تَبَدَّلَ جَـوُّ اللَّيْلِ وَهْــنًا، فَلَـمْ يَعُدْ

   أَنِيسًا لَـنَا يَشْدُو وبَعْدُ، يُقَسِّـمُ

فَلَـمْ، تَبْقَ في النَّجْمِ الـمُشِعِّ بَوَادِر

   تُنِـيـرُ حَـنَايَـا، جَـمْعُهَا مُتَجَهِّــمُ

ولَمْ يَبْقَ فِي رَيَّا النَّسِيـمِ تَـوَدُّدٌ

   يُشَاعُ لَـنَا، وَهْوَ العَبِيـرُ الـمُلْهِمُ

ولَمْ تَبْقَ في البَدْرِ الوَسِيـمِ صَبَاحَةٌ

   ولَـمْ يَــبْـقَ للنُّورِ البَهِيـجِ تَوَسُّـمُ

ولَمْ تَبْـقَ في وَجْـهِ الـمَدِينَةِ بَهْجَةٌ

   ولَمْ يَبْـقَ للأَطْيَارِ صَوْتٌ مُرَنَّـمُ...

تَكَاثَفَ هَمِّي في الهَوَى، فَحَسِبْتُنِي

   بِـلَـيْـلٍ بِـهِ صُـبْحُ الـمَحَـبَّةِ أَدْهَـمُ

وأُغْرِقْـتُ في بَـحْرَيْنِ، بَحْرٍ تَلَاطَمَتْ

   بِهِ مَـوْجَـةٌ لِلْحُـزْنِ، تَـنْأَى وتُـقْدِمُ

وبَــحْرٍ بِـهِ سَــالَتْ دُمُـوعِـي غَـزِيرَةً

   تُفَـتِّتُ صَبْـرِي، بِالأَسَى، وتُقَلِّـمُ.

فَلَـمْ أَدْرِ أَيَّ اللُّجَّـتَيْنِ أَخُوضُـهَا؟

   ولَمْ أَدْرِ أَيُّ الـمَسْلَكَيْنِ مُحَتَّـمُ؟

فَهَذَا عَلَى بُعْدٍ، وَفَاءٌ مَدَى الحَيَاةْ

   يَشُقُّ عُبَابَ العَيْنِ، آنًا، فَتْجْشِمُ (**)

وهَذَا حَنِينِي في النَّسِيـمِ، جَرَى بِهِ

   سَلَامٌ مِنَ الأَحْشَاءِ، طَلْقٌ ومُفْعَمُ

وهَذَا لِقَاءٌ، أَرْتَـجِيهِ، لَعَلَّهُ

   يُخَـفِّـفُ مَا في القَلْبِ يوما ، وأَنْعَمُ...

تَجَمْجُمُ(*) : عَدَمُ بَيَانِ ال كَلَامِ.

فتجشِم(**) تَتَكَلَّفُهُ عَلى مَشَقَّةٍ.

حمدان حمّودة الوصيّف. (تونس)

"خواطر" ديوان الجدّ والهزل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق