الخميس، 24 سبتمبر 2020

جميلة ..ولكن؟ بقلم عاهد الخطيب

 قصة فصيرة "جميلة .....ولكن":

قالت: هل أنا جميلة؟!
- قال لها: لم اقرر بعد فيما إذا كنت جميلة أم لا!
قالت: أوأنت من يقرر؟
قلت لها: نعم!!
قالت: وكيف ذلك؟
أما تنظر في حسن وجهي وقسامته. ورشاقة جسمي وحسن قوامي؟
أو لم تسمع كلمات مدح وقصائد الغزل التي نظمها الشعراء بجمالي؟
قلت لها: بلى, أرى كل ذلك وزيادة, وسمعت كلمات المديح ونظم الغزل, ومع ذلك لم أقرر بعد فيما إذا كنت جميلة أم لا.
قالت مستغربة: أهو غرور الفيلسوف؟
قلت لها سيدتي: الحقيقة على مرارتها خير من الوهم على جماله.
وافترقا بعد ذلك, ولكن كل منهما شعر بأسف واضطراب في موقفه, وفي المساء حاول كل منهما الاختلاء بنفسه, حيث كان الاضطراب يتغلب عليهما.
فصديقنا صاحب الرؤى الفلسفية, كان يرى في الجمال صفة فردية ونكهة فريدة لا تتكرران وهما كالبصمة تميز كل فرد على حدة, وخصوصا جمال المرأة, فعلى سبيل المثال لايوجد أجمل من حمرة الخجل على وجه المرأة, التي كادت الحضارة الحديثة أن تخفيها بفعل وسائل التجميل الصناعية....فأي امرأة تستطيع أن تستخدم نفس مواد التجميل من مساحيق وعطور وتسريحات شعر....الخ, وبالتالي فإن المفهوم الجمالي قد تم سلبه, ولهذا قال لها لم أقرر فيما إذا كنت جميلة أم لا....
وفي المقابل, حاولت أن تهدأ وأن تعيد تقييم الموضوع, وبدا أنها تتأثر بكلامه, بل وتنفعل به, وهي تعي أن المرأة خلقت جميلة, بل هي الجمال عينه, ولكنها بدأت تتسائل: هل على كل النساء أن يكن جميلات طول الوقت؟ وهي تدرك بطبعها استحالة ذلك. وهل على المرأة أن تكون جميلة من وجهة نظر كل الرجال؟ وعندما كانت تجيب على كل سؤال يخطر في بالها, كان يختلجها بركان من عدم الثقة بالنفس, وبدا يخطر في بالها أسئلة وجودية أولها لماذا يجب على المرأة أن تكون جميلة؟ وفي محاولة الاجابة على هذا السؤال شعرت بصدمة نفسية كبيرة, حيث أنها بدأت تدرك أن الجمال وسيلة وليس غاية, فهل تريد إثارة إعجاب الرجل, أو حتى عالم الرجال؟ فهل يرضي غرورها أن تبدو جميلة أمام أنظار الرجال؟ هل تدرك معنى ذلك؟
هل تريد من حيث لا تدري أن تكون ورقة بيد الرجال؟ هل تريد أن تسمع كلام الغزل؟ هل يرضي غرورها أن ترسم كلوحة فنية يظهر عريها مفاتنها؟
لقد بدا لها هذا الكم من الاسئلة كصعقة تهز الوجدان, وتعصف بالكيان.
وبعد أن هدأت نفسها, واستعادت أنفاسها, بدأت تدرك أن الجمال موقف لازخرف, وأن جمال المساحيق زائل بعد غسله. فالطبيعة الجمالية التي أوجدها الله بنا تعطينا اشراقة وألقا وقبولا عند الآخرين والفة تؤدي إلى التعايش وحب الناس والحرص عليهم, وبهذا يكون الجمال مفهوما أوسع بكثير مما تخيلنا....
عاهد الخطيب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق