الاثنين، 28 سبتمبر 2020

خريف العمر بقلم دكتور عاهد الخطيب

 خريف العمر

كان حمدان يحدث نفسه في خلوة بينه وبين البحر,
كانت أمواج البحر في رتابة وهدوء,
جعلته يسترخي, ويمضي بعيدا في رحلة العمر,
وقد ساعده على الإستغراق في ذكرياته,
إحدى أغاني أم كلثوم,
والتي كان يعشقها كثيرا بكلماتها وألحانها وأدائها,
إنها أغنية أغار من نسمة الجنوب,
فمضى مع الأغنية ومع ذكرياته
وهاهو يستذكر عالمه الخاص:
وتمضي بنا السنون في جد واجتهاد,
عمل وبناء,
تكوين أسرة,
انجاب,
متابعة لكل فرد,
يمضي العمر,
ويكبر الأبناء,
وينجحون,
ويتزوجون,
ونصبح أجدادا,
وربما نكون قد نسينا أنفسننا,
وقد شاب الشعر,
وتغيرت القيم,
وبعد هذا العمر,
أصبحت أقل شراسة,
وأقل دافعية لإثبات أي شيء
كوجهة نظر,
أو الرد على أي طرف,
أو حتى الشعور بنشوة
أو انتصار,
ربما أن هنالك شعورا خفيا بعدم الاستمرار في الحياة,
وما إن يات هذا الشعور,
حتى يحس كأن نزقأ من الشيطان يقترب منه
فيسارع بالإستغفار,
و لعل المشكلة تعود إلى أبعد من ذلك,
فقد جرت حياته منذ نعومة أظفاره,
على الجدية ومجاراة الواقع,
فكثير من الناس,
يفرض عليهم الواقع أن يكبروا قبل الأوان,
فلا يعيشون طفولة,
وكأنهم يولدون رجالا,
فقد سرق الزمن منهم أحلى سني العمر
كل هذه الهواجس أو فلتقل الخواطر,
كانت تمر على حمدان,
كشريط من الذكريات أثقله بالهموم,
وتبادرت إلى الذهن
تلك التساؤلات المقلقة والمربكة,
فما الحكمة من الحياة التي يعيشها بعضنا كنوع من الشقاء؟
نحرم فيها براءة الطفولة,
يحرم فيها القلب من نبضه,
هل نحن آلات ستعيش زمنا افتراضيا؟
ثم تستبدل بأخرى,
وتجدها إما أن يعاد تدويرها أو يتم إتلافها...
يبدو لي بأن فكرة إعادة التدوير فكرة جيدة,
فهل نملك مثل هذا الإمتياز؟
هل يمكننا بأن ندخل في دورة حيا أخرى؟
ألا ليتنا نستطيع ذلك؟
وقد قاطعت أفكاره كلمات وموسيقى هذه الأغنية,
والتي جعلته يبدوا في حالة اتحاد مع الطبيعة,
فمن المقدمة الصوفية,
وحتى رقيق الكلمات والمشاعر المبثوثة,
في كل مقطع من هذه الأغنية,
وجد أن هذه الأغنية تتحداه حتى كاد أن يكون فيلسوفا,
أو ربما كان ولا يدري...
فتارة يحسد الشاعر الشمس في حركتها,
صبحا ومساء,
وتارة يتمنى أن يكون زهرة,
وتارة يتمنى أن يكون طائرا,
وماذا لو لم أكن أمر بهذه الحالة؟
هل كنت سأحتفي بهذه الطبيعة؟
أو هل ستكون الطبيعة جميلة كما رأيتها اليوم؟
وربما تزيد حدة التفلسف,
فأخذ يسأل نفسه:
هل الشمس سعيدة في حركتها؟
أم أنها أسيرة في عليائها وتكابر؟
وهل الزهور والطيور تعبر عن حزنها؟
بينما نحن نفرح بها؟
تبا لحياة لا نفهم منها إلا المعاناة...
وتستمر الحياة ...
وتستمر المعاناة يوما فيوما....
عاهد الخطيب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق